كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عطية: وما يرى قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلاّ في هذا الكلام، وما أراه يصح بل المتظاهر أن موسى مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين، وهذا المروي عن ابن عباس ذكره الزمخشري فقال: روي أنه لما ظهر موسى على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيبًا فذكر نعمة الله، وقال: إن الله اصطفى نبيكم وكلمه فقالوا له: قد علمنا هذا فأي الناس أعلم؟ قال: أنا فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إلى الله فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر، كان الخضر في أيام أفريدون قبل موسى وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى، وذكر أيضًا في أسئلة موسى أنه قال: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر انتهى.
وهذا مخالف لما ثبت في الصحيح من أنه قيل له هل أحد أعلم منك؟ قال: لا.
و{مجمع البحرين} قال مجاهد وقتادة: هو مجتمع بحر فارس وبحر الروم.
قال ابن عطية: وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجتمع البحرين على هذا القول.
وقالت فرقة منهم محمد بن كعب القرظي: هو عند طنجة حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه من دبور إلى صبا.
وعن أبيّ بإفريقية.
وقيل: هو بحر الأندلس والقرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء.
وقيل: {مجمع البحرين} بحر ملح وبحر عذب فيكون الخضر على هذا عند موقع نهر عظيم في البحر.
وقالت فرقة: البحران كناية عن موسى والخضر لأنهما بحرا علم.
وهذا شبيه بتفسير الباطنية وغلاة الصوفية، والأحاديث تدل على أنهما بحرا ماء.
وقال الزمخشري: من بدع التفاسير أن البحرين موسى والخضر لأنهما كانا بحرين في العلم انتهى.
وقيل: بحر القلزم.
وقيل: بحر الأزرق.
وقرأ الضحاك وعبد الله بن مسلم بن يسار {مجمع} بكسر الميم الثانية والنضر عن ابن مسلم في كلا الحرفين وهو شاذ، وقياسه من يفعل فتح الميم كقراءة الجمهور.
والظاهر أن {مجمع البحرين} هو اسم مكان جمع البحرين.
وقيل: مصدر.
قال ابن عباس: الحقب الدهر.
وقال عبد الله بن عمرو وأبو هريرة: ثمانون سنة.
وقال الحسن: سبعون.
وقيل: سنة بلغة قريش ذكره الفراء.
وقيل: وقت غير محدود قاله أبو عبيدة.
والظاهر أن قوله: {أو أمضي} معطوف على {أبلغ} فغيا بأحد الأمرين إما ببلوغه المجمع وإما بمضيه {حقبًا}.
وقيل: هي تغيية لقوله: {لا أبرح} كقولك لا أفارقك أو تقضيني حقي، فالمعنى {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} إلى أن أمضي زمانًا أتيقن معه فوات مجمع البحرين.
وقرأ الضحاك {حقبًا} بإسكان القاف والجمهور بضمها.
{فلما بلغا مجمع بينهما} ثم جملة محذوفة التقدير فسار {فلما بلغا} أي موسى وفتاه {مجمع بينهما} أي بين البحرين {نسيا حوتهما} وكان من أمر الحوت وقصته أن موسى عليه السلام حين أوحي إليه أنَّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك.
قال موسى: يا رب فيكف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل، فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتًا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فنام موسى واضطرب الحوت في المكتمل فخرج منه فسقط {في البحر سربًا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق.
قيل: وكان الحوت مالحًا.
وقيل: مشويًا.
وقيل: طريًا.
وقيل: جمع يوشع الحوت والخبز في مكتل فنزلا ليلة على شاطىء عين تسمى عين الحياة ونام موسى، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت.
وروي أنهما أكلا منها.
وقيل: توضأ يوشع من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش ووقع في الماء، والظاهر نسبة النسيان إلى موسى وفتاه.
وقيل: كان النسيان من أحدهما وهو فتى موسى نسي أن يعلم موسى أمر الحوت إذ كان نائمًا، وقد أحس يوشع بخروجه من المكتل إلى البحر ورآه قد اتخذ السرب فأشفق أن يوقظ موسى.
وقال أؤخر إلى أن يستيقظ ثم نسي أن يعلمه حتى ارتحلا و{جاوزا} وقد يسند الشيء إلى الجماعة وإن كان الذي فعله واحد منهم.
وقيل: هو على حذف مضاف أي نسي أحدهما.
وقال الزمخشري: أي {نسيا} تفقد أمره وما يكون منه مما جعل إمارة على الظفر بالطلبة.
وقيل: نسي يوشع أن يقدمه، ونسي موسى أن يأمر فيه بشيء انتهى.
وشبه بالسرب مسلك الحوت في الماء حين لم ينطبق الماء بعده بل بقي كالطاق، هذا الذي ورد في الحديث.
وقال الجمهور: بقي موضع سلوكه فارغًا.
وقال قتادة: ماء جامدًا وعن ابن عباس: حجرًا صلدًا.
وقال ابن زيد: إنما اتخذ سبيله سربًا في البر حتى وصل إلى البحر ثم عام على العادة كأنه يعني بقوله: {سربًا} تصرفًا وجولانًا من قولهم: فحل سارب أي مهمل يرعى حيث شاء.
ومنه قوله تعالى: {وسارب بالنهار} أي متصرف.
وقال قوم: اتخذ {سربًا} في التراب من المكتمل، وصادف في طريقه حجرًا فنقبه.
والظاهر أن السرب كان في الماء ولا يفسر إلاّ بما ورد في الحديث الصحيح أن الماء صار عليه كالطاق وهو معجزة لموسى عليه السلام أو الخضر إن قلنا أنه نبي وإلاّ تكن كرامة.
وقيل: عاد موضع سلوك الحوت حجرًا طريقًا وأن موسى مشى عليه متبعًا للحوت حتى أفضى به ذلك إلى جزيرة في البحر وفيها وجد الخضر {فلما جاوزا} أي مجمع البحرين.
وقال الزمخشري: الموعد وهو الصخرة.
قيل: سارا بعد مجاوزة الصخرة الليلة والغد إلى الظهر وألقى على موسى النصب والجوع حين جاوزا لموعد ولم ينصب ولا جاع قبل ذلك فتذكر الحوت وطلبه.
وقوله: {من سفرنا} هذا إشارة إلى مسيرهما وراء الصخرة.
وقرأ الجمهور: {نصبًا} بفتحتين وعبد الله بن عبيد بن عمير بضمتين.
قال صاحب اللوامح وهي إحدى اللغات الأربع التي فيها.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف نسي يوشع ذلك ومثله لا ينسى لكونه إمارة لهما على الطلبة التي تناهضا من أجلها ولكونه معجزتين بينتين وهما حياة السمكة المملوحة المأكول منها وقيل: ما كانت إلاّ شق سمكة وقيام الماء وانتصابه مثل الطاق ونفوذها في مثل السرب، ثم كيف استمر به النسيان حتى خلفا الموعد وسارا مسيرة ليلة إلى ظهر الغد، وحتى طلب موسى عليه السلام الحوت قلت: قد شغله الشيطان بوساوسه فذهب بفكره كل مذهب حتى اعتراه النسيان، وانضم إلى ذلك أنه ضري بمشاهدة أمثاله عند موسى من العجائب، واستأنس بأخواته فأعان الإلف على قلة الإهتمام انتهى.
قال أبو بكر غالب بن عطية والداني عبد الحق المفسر: سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظة: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يومًا لم يحتج إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم.
وقال الزمخشري: {أرأيت} بمعنى أخبرني فإن قلت: فما وجه التئام هذا الكلام فإن كل واحد من {أرأيت} و{إذ أوينا} و{فإني نسيت الحوت} لا متعلق له؟ قلت: لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية فدهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك، كأنه قال: {أرأيت} ما دهاني {إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} فحذف ذلك انتهى.
وكون أرأيتك بمعنى أخبرني ذكره سيبويه: وقد أمعّنا الكلام في ذلك في سورة الأنعام وفي شرحنا لكتاب التسهيل.
وأما ما يختص بأرأيت في هذا الموضع فقال أبو الحسن الأخفش: إن العرب أخرجتها عن معناها بالكلية فقالوا: أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة إذا كانت بمعنى أخبرني، وإذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها قال: وشذت أيضًا فألزمتها الخطاب على هذا المعنى، ولا تقول فيها أبدًا أراني زيد عمرًا ما صنع، وتقول هذا على معنى أعلم.
وشذت أيضًا فأخرجتها عن موضعها بالكلية بدليل دخول الفاء ألا ترى قوله: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} فما دخلت الفاء إلاّ وقد أخرجت لمعنى إما أو تنبه، والمعنى أما {إذ أوينا إلى الصخرة} فالأمر كذا، وقد أخرجتها أيضًا إلى معنى أخبرني كما قدمنا، وإذا كانت بمعنى أخبرني فلابد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام، وقد يخرج لمعنى أما ويكون أبدًا بعدها الشرط وظرف الزمان فقوله: {فإني نسيت الحوت} معناه أما {إذ أوينا} {فإني نسيت الحوت} أو تنبه {إذ أوينا} وليست الفاء إلاّ جوابًا لأرأيت، لأن إذ لا يصح أن يجازى بها إلاّ مقرونة بما بلا خلاف انتهى كلام الأخفش.
وفيه إن {أرأيت} إذا كانت بمعنى أخبرني فلابد بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام وهذان مفقودان في تقدير الزمخشري {أرأيت} هنا بمعنى أخبرني، ومعنى {نسيت الحوت} نسيت ذكر ما جرى فيه لك.
وفي قوله: {وما أنسانيه إلاّ الشيطان} حسن أدب سبب النسيان إلى المتسبب فيه بوسوسته و{أن أذكره} بدل اشتمال من الضمير العائد على الحوت، والظاهر أن الضمير في {واتخذ سبيله في البحر عجبًا} عائد على الحوت كما عاد في قوله: {فاتخذ سبيله في البحر سربًا} وهو من كلام يوشع.
وقيل: الضمير عائد على موسى أي اتخذ موسى.
ومعنى {عجبًا} أي تعجب من ذلك أو اتخاذًا {عجبًا} وهو أن أثره بقي إلى حيث سار.
وقدره الزمخشري {سبيله} {عجبًا} وهو كونه شبيه السرب قال: أو قال: {عجبًا} في آخر كلام تعجبًا من حاله في رؤية تلك العجيبة ونسيانه لها، أو مما رأى من المعجزتين وقوله: {وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره} اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه.
وقيل: إن {عجبًا} حكاية لتعجب موسى وليس بذلك انتهى.
وقال ابن عطية: {واتخذ في سبيله في البحر عجبًا} يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى أي اتخذ الحوت سبيلًا عجبًا للناس، ويحتمل أن يكون قوله: {واتخذ سبيله في البحر} تمام الخبر ثم استأنف التعجب فقال من قبل نفسه {عجبًا} لهذا الأمر، وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأكل شقه ثم حيي بعد ذلك.
قال أبو شجاع في كتاب الطبري رأيته أتيت به فإذا هو شق حوت وعين واحدة وشق آخر ليس فيه شيّ.
قال ابن عطية: وأنا رأيته والشق الذي فيه شيّ عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكة، ويحتمل أن يكون {واتخذ سبيله} الآية إخبارًا من الله تعالى وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر {عجبًا} أي تعجب منه، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله {عجبًا} للناس انتهى.
وقرأ حفص: {وما أنسانيه} بضم الهاء وفي الفتح عليه الله وذلك في الوصل وأمال الكسائي فتحة السين، وفي مصحف عبد الله وقراءته {أن أذكره} {إلاّ الشيطان}.
وقرأ أبو حيوة: واتخاذ سبيله عطف على المصدر على ضمير المفعول في {أذكره} والإشارة بقوله ذلك إلى أمر الحوت وفقده واتخاذه سبيلًا في البحر لأنه إمارة الظفر بالطلبة من لقاء ذلك العبد الصالح و{ما} موصولة والعائد محذوف أي نبغيه.
وقرئ: {نبغ} ياء في الوصل وإثباتها أحسن وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ونافع، وأما الوقف فالأكثر فيه طرح الياء اتباعًا لرسم المصحف، وأثبتها في الحالين ابن كثير.
{فارتدا} رجعًا على أدراجهما من حيث جاءا.
{قصصًا} أي يقصان الأثر {قصصًا} فانتصب على المصدرية بإضمار يقصان، أو يكون في موضع الحال أي مقتصين فينصب بقوله: {فارتدا} {فوجدا} أي موسى والفتى {عبدًا من عبادنا} هذه إضافة تشريف واختصاص، وجداه عند الصخرة التي فقد الحوت عندها وهو مسجى في ثوبه مستلقيًا على الأرض فقال: السلام عليك فرفع رأسه، وقال: أنى بأرضك السلام ثم قال له، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال له: ألم يكن لك في بني إسرائيل ما يشغلك عن السفر إلى هنا؟ قال: بلى، ولكن أحببت لقاءك وأن أتعلم منك، قال له: إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا.